Wednesday, February 18, 2009

في الرؤيه

كنت أبحث عن تقرير كتبته قبل فترة حين كنت أعمل في جريدة الـ"رؤيه" الكويتية، دخلت الموقع الالكتروني للجريدة وبحثت في أرشيفها، وجدت الموضوع بسهولة شديدة، وتذكرت اليوم الذي كتبته فيه، كان قبل نهاية العام الماضي بثلاثة أو أربعة أيام، وكان التقرير واحدًا من عشرة تقارير كتبناها "أنا ومهند" عن حصاد الرياضة في عام 2008
بدأت أقرأ التقرير الذي كان يتحدث عن الآليات التي لجأ إليها الاتحاد الدولي لكرة القدم لفرض سيطرته على منافسات كرة القدم خلال هذا العام، حفظت التقرير على حاسوبي الخاص، وبدأت أتذكر "معالم" الـ"رؤيه" و"سحرها" الخاص الذي كان يضفى لمسة من "الجمال" و"البهاء"على كل من فيها، وكان يحيل وجوهًا قبيحة ونفوس بهيمية إلى أشخاص مقبولين تستثاغ معاشرتهم، ويرفع أشخاصاً عاديين إلى درجة الملائكة
وكعادتي، حين أمسك بورقة وقلم، أو أضع يدي على الـ" كي بورد"، تتداخل الأوراق، وتتزاحم المعاني، وأجد نفسي مشتتًا، تذكرت الآن إجابة كدت أقولها لشخص حين سألني : أيهما أفضل الـ"رؤيه" أم المكان الذي تعمل فيه الآن؟، كدت أقول له ما قاله الإمام أحمد حين سأله شخص أيهما أفضل معاوية بن أبي سفيان أم عمر بن عبد العزيز؟ فقال : لتراب سقط على أنف معاوية خير من ملء الأرض من أمثال عمر بن عبد العزيز، كدت أقول لغبار على جدران الـ"رؤيه" خير من ملء الأرض من غيرها
في الـ"رؤيه"، كانت لمسة من "جمال"، ولمحة من "عبقرية"، وهدوء كفيل بإنجاح أي عمل، وكان للطبيعة سحرها علىّ وعلى كل محب لها، ففي النهار، كانت مياه النيل تعكس أشعة الشمس فترتد على زجاج الـ"برج" المواجه للرؤية في مشهد بديع، كنت أرى الطيور تُحلق أسفل مني، تنظر إليّ وعلى وجهها علامات الدهشة من هذا الإنسان الذي تنظر إليه ولا ينظر إليها، ويعلوها ولا تعلوه، وكانت هناك تلك الطيور الصغيرة التي تشبه الـ"خفافيش" ..كانت تُحلق من الرابعة عصرًا وحتى غروب الشمس
في الـ"رؤيه"، تولدت في قلبي معان جديدة، واكتشفت حقائق كثيرة، أولها وأهمها هى أنني إنسان عادي، لا توجد بي صفة واحدة تجعلني أتفوق على أحد، إنسان فقد كل مقومات "التفوق" الذي كان يُعرف به، وتأكدت مع السقوط المتكرر في كل اختبار أنني أيضًا لم أعد هذا الذي تنظر إليه العيون باحترام، فقدت – أمام نفسي والناس- كل ما تميزت به خلال أعوام طويلة
في الـ"رؤيه"، كان اكتشافًا آخر، هو أن أناسًا تعاملت معهم كثيرًا، ولم أولِ أيًا منهم اهتمامًا، كان كل منهم يحلم في يوم أن يكون مثلي، اكتشفت أنهم أصبحوا يفضلونني كثيرًا، وأجبرني حسن أخلاقهم على محاولة التغير حتى أسير في ركابهم، أجبرني هدوئهم، وسماحتهم، وعفوهم المتكرر رغم إصراري على الخطأ على إعلان إفلاسي خُلقيًا ودينيًا
في الـ"رؤيه"، كانت إطلالة على عالم جديد، مع نماذج مختلفة من البشر، بين ملاك تتشرف العين برؤيتة، وبين شاب طموح يسعى جاهدًا بكل ما أوتى من قوة، وبين عجوز متصاب، تساقطت أسنانه، ولم يتب عن مغازلة الفتيات، هناك، تعاملت مع سُذّج لا يعلمون شيئًا عن الدنيا، وتعاملت مع عُباد للمال والدنيا، تعاملت مع مغرور لئيم، ومع متواضع صادق ونقي
لا أعلم، لماذا أكتب عن الـ"رؤيه" الآن، ربما لأنني وعدت بذلك من قبل، أو لأنني أعيشها الآن رغم مفارقتي لها، ربما لأن حالة من الملل تلازمني في عملي الجديد، وتدفعني بين الحين والآخر للهروب إلى ذكريات الـ"رؤيه" والتحصن بها، ربما لآن مشهد من الـ"رؤيه" يكاد يتكرر بكل تفاصيله الآن وبعد عام من انتهائه، أو لأن أيامًا قليلة تفصل بين حادثين أولاهما سعيد والآخر حزين عشتهما في العام الماضي في الـ"رؤيه" أيضًا