Tuesday, September 30, 2008

قصتي مع الملك

1- تعرفك ولا تعرفها

كان الخامس من يناير، استيقظت في العاشرة صباحًا، لم تتبق سوى ساعتين للذهاب للعمل، كنت وقتها أعمل محررًا في جريدة "الكورة اليوم"، الآن على أن استحم ثم اتناول الفطور قبل الذهاب للعمل.
كانت الجريدة على وشك الصدور بعد فترة من الإعداد العشوائي غير المنظم استمرت قرابة أربعة أشهر، كان العمل كثيرًا والجريدة أشبة بخلية نحل لإصدار العدد التجريبي قبل النزول للأسواق، لا أذكر تحديدًا ما كان يشغل بالي حين أحضرت أمي الفطور، ربما كان هذا الرجل الذي جعلني أكره الصحافة منذ أول تجربة حقيقة لي في المجال، أو ربما كان أرشيف اللاعبين الذي كان من المفترض أن أعده قبل بطولة كأس الأمم الإفريقية، لا اتذكر، المهم أن الفطور جاء وبدأت في الأكل.
توقفت عن الأكل بشكل مفاجئ، سمعت صوتًا غريبًا جاء من خلفي أو ربما من جانبي لا أعلم تحديدًا، قال لي " اليوم سترى فتاة كانت معك في الجامعة، تعرفك ولاتعرفها، ستراها في مكان لم تذهب إليه من قبل" ثم انقطع الصوت، نظرت خلفي فلم أر أحدًا، وكان هذا هو المتوقع، فأنا وحدي في الغرفة، لا أعلم مصدر الصوت، و لا أعلم إذا كان هناك من تكلم حقًا أم لا؟، كل ما أتذكره هو أن عقلى توقف عن التفكير بصورة مفاجئة وسمعت هذه الكلمات، لم أبال كثيرًا، فهناك أشياء تحدث ولا نفهمها، ربما يكون حديث نفس كما يقولون، أو أوهام أو أي شئ آخر.
ذهبت للجريدة، طالعني هذا الغراب بوجهه القبيح، سأل عن العمل وما الجديد ؟، جاوبته ثم انصرف كل منا إلى حاله، كنت أول من حضر من بين زملائي في القسم ، وهذا طبيعي فأنا أصغرهم سنًا وأقلهم خبرة، وأنا الوحيد المتفرغ بينهم، بدأت العمل على أمل الانتهاء في الوقت المحدد وهو السادسة مساءً.
في تمام الرابعة والنصف، رن هاتفي المحمول، نظرت للرقم، لا يوجد اسم مسجل ولكنني أعلم هذا الرقم جيدًا لقد رأيته أكثر من مرة، تذكرت .. هذا هو الصحافي الذي قال عنه الغراب " هو أفضل كاتب رياضي في مصر"، لكن ماذا يريد الآن؟، لقد اتفقنا أن نلتقي بعد يومين تحديدًا في السابع من يناير، ربما اتصل ليذكرني بالموعد، على أية حال يجب أن أرد لقد وعدني بعمل في مكان جيد ، وحتى إن لم يكن العمل كذلك فالرحيل من وجه هذا الغراب شئ حميد.
أجبت على الهاتف، كان الرجل يتكلم بسرعة رهيبة، و طلب مني أن أقابله لأن هناك اجتماعًا للجريدة الجديدة التي سأعمل بها معه، وصف لي العنوان وطلب مني أن أذهب للمكان بعد ساعة من انتهاء المكالمة، وهذه أزمة كبيرة، فأنا غير مسموح لي بالانصراف من العمل قبل السادسة ولو بدقيقة واحدة، كما أن العمل كثير، لم أخبره بذلك، وقلت في نفسي أحاول مع هذا الغراب علني أفلح.
بالفعل دخلت مكتبه واستأذنت وذكرت السبب، وعلى عكس المتوقع وافق الغراب وقال لي " ربنا يوفقك يا محمد"، كانت صدمة كبيرة، لم أتوقع أن يوافق من الأساس، لكن أن يوافق ثم يدعو الله لي، هذا أمر غريب !!
خرجت من "الكورة اليوم" في ميدان التحرير، وكان على الذهاب إلى وكالة الأنباء العربية في الجيزة، المسافة ليست بعيدة، لا تستغرق أكثر من نصف ساعة ولكن جهلي بالمكان، وهدوئي الزائد عن الحد تسبب في وصولي بعد ساعة ونصف، في السادسة مساءً.
وهنا كانت البداية، كان المكان جميلاً وفخمًا، وهو بالنسبة للكورة اليوم "جنة الخلد" الفارق بينهما كبير، دخلت المكان وسألت عن الأستاذ "س" الذي جئت لمقابلته، فأخبروني أنه في اجتماع وسينتهي بعد فترة، كان على أن أحضر هذا الاجتماع ولكن من الصعب الدخول خاصة أنني لم أر هذا الرجل من قبل، كل ما كان بيننا هو الحديث عبر الهاتف فحسب، فضلت الانتظار حتى انتهاء الاجتماع.
قال لي مسئول الأمن في هذا المكان "اتفضل استنى في الاستراحة لحد ما الاجتماع يخلص"، كانت الاستراحة مكانًا أنيقًا تصعد له سلم قصير، درجاته قليله، ثم تدخل حجرة صغيرة بها "أنتريه" وتجلس حتى تنتهي مصلحتك، لحسن الحظ، كان معي شاب آخر في هذه الاستراحة، جاء للعمل في نفس الجريدة، تعارفنا ثم تحدث معي كثيرًا عن هذا المكان وعمن يعملون فيه وعن المدير العام للمكان وغير ذلك، لقد كانت معلوماته جيدًا، وكان خائفًا بعض الشئ، تحدثنًا كثيرًا، على أمل أن ينتهي الاجتماع أثناء حديثنا و لكن شيئًا لم يتغير، وتحولت الربع ساعة إلى نصف ثم إلى ساعة كاملة، دون أن يلوح أي شئ في الأفق، مللنا ونظر كل منا للآخر، لقد انتهت الكلمات التي تقال في مثل هذه المواقف، وأصبح الصمت لزامًا علينا.
كان الغريب في جلستنا هذه أن هناك أكثر من خمسة أشخاص مروا من أمامنا ثم نظروا إلينا نظرة واحدة كأنهم دُرِبوا عليها، ثم انصرف كل منهم إلى حاله دون أن يتحدث بكلمة واحدة أو يلقي السلام.
مع مرور الوقت زادت هذه الوجوه التي تمر من أمامنا دون أن تتحدث، في البداية كنت التفت لكل من يصعد لهذا المكان أو يعبر من "الممر" الموجود أمامه والذي يوصل لصالة الاجتماع، لكن مع الوقت لم أعد أنظر لأحد، لقد فقدت الأمل في أن يتحدث أحد منهم.
بعد فترة تفاجأت بسواد يقترب من باب الغرفة، نظرت فإذا بفتاة تنظر إلى ثم بدأت الحديث ..
هي: " سلام عليكم"
أنا: بكل برود "عليكم السلام"
هي : حضرتك معانا هنا ؟
أنا : المفروض إن شاء الله
هي : وعملت الإنترفيو ولا لسه
أنا : لا لسه والله يا فندم
هي : بكل ذوق وأدب" ربنا يوفقك إن شاء الله"
أنا متصنعًا الأدب " ربنا يكرمك"
هي : أنت مش فاكرني ؟
أنا : لا والله
هي : أنا " ص" كنت معاك في الجامعة
أنا : "الجامعة " ؟؟؟؟؟؟؟؟
هي " اه بس كنت في قسم تاني، مش انت محمد فتحي كنت في صحافة
أنا : أه .. أنا محمد
هي : وأنا "ص" أنا مكتبي تحت لو احتاجت حاجة أبقى قلي
أنا : طيب هو استاذ "س" هيتأخر ؟
هي : لا زمانه نازل
أنا : متشكر أوي فرصة سعيدة
هي : العفو

الآن .. بدأت أتذكر ما حدث صباحًا، هذا الصوت الغريب، وكلماته التي تحققت بالحرف " اليوم سترى فتاة كانت معك في الجامعة، تعرفك ولاتعرفها، ستراها في مكان لم تذهب إليه من قبل "...

تستكمل