Wednesday, December 17, 2008

جرح لا يعرف الضماد

ما زلت أبحث عن دواء لهذا الجرح الراعف الذي يبدو أنه لن يُشفى ولن تزول تبعاته أبدًا، ومع حالة الملل والاكتئاب التي أعيشها، أجد نفسي مدفوعًا إلى طريقة واحدة لعلاجه، شبيهة بالمسكن الذي يُخفف الآلام ولو لدقائق معدودة ثم تزول آثاره ويبقى الجرح على حاله.
من جديد، عدت لأفكر في مهاجمة إنسان لا ذنب له إلا أنه برئ بكل ما تحمله الكلمة من معان، نعم، أريد الانتقام من إنسان لم أر شبيهًا له في العلم والخلق، أريد أن تبكيه كلماتي، ليدرك "حجم" فعلته التي اخترعتها "أنا".
الآن، أُنشّط ذاكرتي، واستدعي أحداثًا مختلفة، أحاول أن أتذكر كيف أصبت في المرة السابقة، وكيف نجحتُ في إبكاء هذا الـ"برئ"، وكيف سالت دموعه التي اسمّيها كما سمّاها صديقي الشاعر "دمع الرسل".
استنفذت كل طاقتي الذهنية دون جدوى، ذاكرتي تمنّعت، فوجئتُ بشئ غريب، أنني كلما حاولت تذكُر الطريقة التي آلمته بها، كلما ازداد حبي لهذا الشخص، وأدركت أن ذاكرتي محت – من نفسها – ما تريد وأبقت ما تريد، الآن أحاول أن أتذكر دموعه فلا تفارقني ابتسامته، أبحث عمّا كان يغضبه فلا أتذكر سوى ما يحب.
باءت كل محاولاتي بالفشل، زادت آلالام جرح قلبي، وأيقنت أنه لا ضماد.

Sunday, December 7, 2008

اجتلاء العيد .....

جاء يوم العيد، يوم الخروج من زمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم
زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس، ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.
يوم السلام والبشر والضحك والوفاء والإخاء وقول الإنسان للإنسان : " وأنتم بخير "
يوم الثياب الجديدة على الكل إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب.
يوم العيد، يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه.
يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة.
ذلك اليوم الذي ينظر فيه الإنسان إلى نفسه نظرة تلمح فيها السعادة، وإلى أهله نظرة تُبصر الاعتزاز، وإلى داره نظرة تدرك الجمال، وإلي الناس نظرة ترى الصداقة.
ومن كل هذه النظرات تستوي له النظرة الجميلة إلى الحياة والعالم، فتبتهج نفسه بالعالم والحياة.
وما أسماها نظرة تكشف للإنسان أن الكل جماله في الكل.
وخرجت أجتلي العيد في مظهره الحقيقي على هؤلاء الأطفال السعداء، على هذه الوجوه النضرة التي كبرت فيها ابتسامات الرضاع فصارت ضحكات، وهذه العيون الحالمة التي إذا بكت بكت بدموع لا ثقل لها.
وهذه الأفواه الصغيرة التي تنطق بأصوات لا تزال فيها نبرات الحنان من تقليد لغة الأم، وهذه الأجسام الغضة القريبة العهد بالضمات واللثمات فلا يزال حولها جو القلب.
على هؤلاء الأطفال السعداء الذين لا يعرفون للحياة قياسًا للزمن إلا بالسرور، وكل منهم مملكة في مملكة، وظرفهم هو أمرهم المملوكي.
هؤلاء المجتمعين في ثيابهم الجديدة المصبغة، اجتماع قوس قزح في ألوانه، ثياب عملت فيها المصانع والقلوب، فلا يتم جمالها إلا بأن يراها الأب والأم على أطفالهما.
ثياب جديدة يلبسونها فيكونون هم أنفسهم ثوبًا جديدًا على الدنيا.
هؤلاء السحرة الصغار الذين يخرجون لأنفسهم معني الكنز الثمين من قرشين.
ويسحرون العيد فإذا هو يوم صغير مثلهم جاء يدعوهم إلى اللعب، وينتبهون في هذا اليوم مع الفجر فيبقي على قلوبهم إلى غروب الشمس، ويلقون أنفسهم على العالم المنظور، فيبنون كل شيء على أحد المعنيين الثابتين في نفس الطفل: الحب الخالص، واللهو الخالص.
ويبتعدون بطبيعتهم عن أكاذيب الحياة، فيكون هذا بعينه هو قربهم من حقيقتها السعيدة.
هؤلاء الأطفال الذين هم السهولة قبل أن تتعقد، والذين يرون العالم في أول ما ينمو الخيال ويتجاوز ويمتد، يفتشون الأقدار من ظاهرها، ولا يستطيعون كي لا يتألموا بلا طائل، ويأخذون من الأشياء لأنفسهم فيفرحون بها ، ولا يأخذون من أنفسهم للأشياء كيلا يوجدوا بها الهم.

قانعون يكتفون بالتمرة، ولا يحاولون اقتلاع الشجرة التي تحملها
ويعرفون كنه الحقيقة، وهي أن العبرة بروح النعمة لا بمقدارها، فيجدون من الفرح في تغيير الثوب للجسم، أكثر مما يجده القائد الفاتح في تغيير ثوب المملكة.
هؤلاء الحكماء الذين يشبه كل واحد منهم آدم أول مجيئه إلى الدنيا، حين لم تكن بين الأرض والسماء خليقة ثالثة معقدة من صنع الإنسان المتحضر.
حكمتهم العليا : أن الفكر السامي هو جعل السرور فكرًا وإظهاره في العمل، وشعرهم البديع : أن الجمال والحب ليسا في شيء إلا في تجميل النفس وإظهارها عاشقة للفرح.

هؤلاء الفلاسفة الذين تقوم فلسفتهم على قاعدة علمية، وهي أن الأشياء الكثيرة لا تكثر في النفس المطمئنة، وبذلك تعيش النفس هادئة مستريحة كأن ليس في الدنيا إلا أشياؤها المُيسرة، أما النفوس المضطربة بأطماعها وشهواتها فهي التي تبتلى بهموم الكثرة الخيالية، ومثلها في الهم مثل طُفيلي مغفل يحزن لأنه لا يأكل في بطنين.
وإذا لم تكثر الأشياء الكثيرة في النفس كثرت السعادة ولو من قلة، فالطفل يُقلب عينيه في نساء كثيرات، ولكن أمه هي أجملهن وإن كانت شوهاء، فأمه وحدها هي أم قلبه، ثم لا معني للكثرة في هذا القلب.
هذا هو السر ، خذوه أيها الحكماء عن الطفل الصغير

وتأملت الأطفال وأثر العيد على نفوسهم التي وسعت من البشاشة فوق ملئها، فإذا لسان حالهم يقول للكبار: أيها البهائم اخلعي أرسانك ( ما يوضع على أنف الدابة )ولو يومًا .
أيها الناس انطلقوا في الدنيا انطلاق الأطفال يوجدون حقيقتهم البريئة الضاحكة
لا كما تصنعون إذ تنطلقون انطلاق الوحش يوجد حقيقته المفترسة.
أحرار، حرية نشاط الكون ينبعث كالفوضى، ولكن في أدق النواميس، يُثيرون السخط بالضجيج والحركة، فيكونون مع الناس على خلاف، لأنهم على وفاق مع الطبيعة.
وتحتدم بينهم المعارك ، ولكن لا تتحطم فيها إلا اللُعب
أما الكبار فيصنعون المدفع الضخم من الحديد، للجسم اللين من العظم.
أيتها البهائم، اخلعي أرسانك ولو يومًا

لا يفرح أطفال الدار كفرحهم بطفل يولد، فهم يستقبلونه كأنه محتاج إلى عقولهم الصغيرة، ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر الخلق، لقربهم من هذا السـر، وكذلك تحمل السنة ثم تلد الأطفال يوم العيد، فيستقبلونه كأنه مُحتاج إلى لهوهم الطبيعي.

ويملؤهم الشعور بالفرح الحقيقي الكامن في سر العالم لقلوبهم من هذا السر
فيا أسفًا علينا نحن الكبار، ما أبعدنا عن سر الخلق بآثام العمر
وما أبعدنا عن سر العالم بهذه الشهوات الكافرة التي لا تؤمن إلا بالمادة
يا أسفًا علينا نحن الكبار، ما أبعدنا عن حقيقة الفرح، تكاد آثامنا والله تجعل لنا في كل فرحة خجلة

أيتها الرياض المنورة بأزهارها
أيتها الطيور المغردة بألحانها
أيتها الأشجار المصفقة أغصانها
أيتها النجوم المتلألئة بالنور الدائم
أنتِ شتٌي، ولكنكِ جميعًا في هؤلاء الأطفال يوم العيد




من وحي القلم للرافعي





Tuesday, October 28, 2008

هلوسة

لحظات الفراغ فرصة جيدة للتفكر والكتابة، تأتي قليلاً ولكن يبقى أثرها في النفس طويلاً، هي فرصة للمصارحة والمكاشفة ولإعادة ترتيب الأوراق
كلما جاءت نبهتني إلى حالة من "الخواء العاطفي" أعيشها، تذكرني أنني بلا "حبيبة"، انتظر مكالماتها واتلهف لسماع صوتها، أحيانًا تدفعني هذه الحالة إلى تقمص دور "المحب" لأعيشه عبر لحظات في قصة، اكتبها بيدي أكون فيها المؤلف والبطل، انهيها نهاية غامضة حزينة تناسب شخصي حتى يظن قارئها أنها حدثت لي في الحقيقة
ربما ستدفعني هذه الحالة لمصادقة فتاة، أزيل عن وجهها آثار "المكياج" لتبقى عارية الوجة، ثم أشكله كما أريد، فأضع عدستين على عينيها، وأرسم فوقهما خطين رقيقين لا يراهما رجل غيري، واتبسم لها قبل أن أعيد لوجهها ملابسه وأتركها وأرحل.
قد تدفعني لترك العمل والجلوس على النيل، انظر للفتيات تارة وللنيل تارة، ثم أكتب "عاد جسدي إليك ، ولكن ضلت روحي الطريق"
قد تدفعني للقيام، للصيام، لأكون راهبًا في المحراب، أو عالمًا في الفزياء، أو الكمياء، أو شاعرًا أتلاعب بالكلمات، فأمدح هذا وأذم ذاك .
قد تدفعني لتغيير إيقاع الكتابة، أبطئ حينًا وأسرع أحيان، أو لإيجاد دلالات جديدة للكلمات، ومعان لم يسبق إليها غيري، قد تدفعني للرد على هاتفي في منتصف الليل لأقول لفتاة لا أعرفها "نعم، أحبك".
قد تدفعني للتفكير في "جنة الخلد" في الحور والقصور والأنهار والأشجار، أو أن أصنع من كلماتي "تمثالاً" للحوراء أهدمه في نهاية قصتي بكلمة جارحة.
أشتم من كلماتي رائحة الشعر، وإن كان كسيحًا لا يقوى على السير إلا أنه خير من غيره.
الغريب في الأمر أنني لا أريد "حبيبة" في حياتي، لا أريد أن أخدع أحدًا أو أضلله، ورغم ذلك أحن كثيرًا لدور المحب وأشتاق إليه كاشتياقي للأبوة التي هي أكبر آمال حياتي.
الآن أفكر .. لم بدأت هذه التدوينة ؟ كانت في ذهني فكرة، ضلت طريقها بين الكلمات، نعم .. نعم كنت أقول " قد تدفعني" والآن سأقول " بل دفعتني"






Tuesday, September 30, 2008

قصتي مع الملك

1- تعرفك ولا تعرفها

كان الخامس من يناير، استيقظت في العاشرة صباحًا، لم تتبق سوى ساعتين للذهاب للعمل، كنت وقتها أعمل محررًا في جريدة "الكورة اليوم"، الآن على أن استحم ثم اتناول الفطور قبل الذهاب للعمل.
كانت الجريدة على وشك الصدور بعد فترة من الإعداد العشوائي غير المنظم استمرت قرابة أربعة أشهر، كان العمل كثيرًا والجريدة أشبة بخلية نحل لإصدار العدد التجريبي قبل النزول للأسواق، لا أذكر تحديدًا ما كان يشغل بالي حين أحضرت أمي الفطور، ربما كان هذا الرجل الذي جعلني أكره الصحافة منذ أول تجربة حقيقة لي في المجال، أو ربما كان أرشيف اللاعبين الذي كان من المفترض أن أعده قبل بطولة كأس الأمم الإفريقية، لا اتذكر، المهم أن الفطور جاء وبدأت في الأكل.
توقفت عن الأكل بشكل مفاجئ، سمعت صوتًا غريبًا جاء من خلفي أو ربما من جانبي لا أعلم تحديدًا، قال لي " اليوم سترى فتاة كانت معك في الجامعة، تعرفك ولاتعرفها، ستراها في مكان لم تذهب إليه من قبل" ثم انقطع الصوت، نظرت خلفي فلم أر أحدًا، وكان هذا هو المتوقع، فأنا وحدي في الغرفة، لا أعلم مصدر الصوت، و لا أعلم إذا كان هناك من تكلم حقًا أم لا؟، كل ما أتذكره هو أن عقلى توقف عن التفكير بصورة مفاجئة وسمعت هذه الكلمات، لم أبال كثيرًا، فهناك أشياء تحدث ولا نفهمها، ربما يكون حديث نفس كما يقولون، أو أوهام أو أي شئ آخر.
ذهبت للجريدة، طالعني هذا الغراب بوجهه القبيح، سأل عن العمل وما الجديد ؟، جاوبته ثم انصرف كل منا إلى حاله، كنت أول من حضر من بين زملائي في القسم ، وهذا طبيعي فأنا أصغرهم سنًا وأقلهم خبرة، وأنا الوحيد المتفرغ بينهم، بدأت العمل على أمل الانتهاء في الوقت المحدد وهو السادسة مساءً.
في تمام الرابعة والنصف، رن هاتفي المحمول، نظرت للرقم، لا يوجد اسم مسجل ولكنني أعلم هذا الرقم جيدًا لقد رأيته أكثر من مرة، تذكرت .. هذا هو الصحافي الذي قال عنه الغراب " هو أفضل كاتب رياضي في مصر"، لكن ماذا يريد الآن؟، لقد اتفقنا أن نلتقي بعد يومين تحديدًا في السابع من يناير، ربما اتصل ليذكرني بالموعد، على أية حال يجب أن أرد لقد وعدني بعمل في مكان جيد ، وحتى إن لم يكن العمل كذلك فالرحيل من وجه هذا الغراب شئ حميد.
أجبت على الهاتف، كان الرجل يتكلم بسرعة رهيبة، و طلب مني أن أقابله لأن هناك اجتماعًا للجريدة الجديدة التي سأعمل بها معه، وصف لي العنوان وطلب مني أن أذهب للمكان بعد ساعة من انتهاء المكالمة، وهذه أزمة كبيرة، فأنا غير مسموح لي بالانصراف من العمل قبل السادسة ولو بدقيقة واحدة، كما أن العمل كثير، لم أخبره بذلك، وقلت في نفسي أحاول مع هذا الغراب علني أفلح.
بالفعل دخلت مكتبه واستأذنت وذكرت السبب، وعلى عكس المتوقع وافق الغراب وقال لي " ربنا يوفقك يا محمد"، كانت صدمة كبيرة، لم أتوقع أن يوافق من الأساس، لكن أن يوافق ثم يدعو الله لي، هذا أمر غريب !!
خرجت من "الكورة اليوم" في ميدان التحرير، وكان على الذهاب إلى وكالة الأنباء العربية في الجيزة، المسافة ليست بعيدة، لا تستغرق أكثر من نصف ساعة ولكن جهلي بالمكان، وهدوئي الزائد عن الحد تسبب في وصولي بعد ساعة ونصف، في السادسة مساءً.
وهنا كانت البداية، كان المكان جميلاً وفخمًا، وهو بالنسبة للكورة اليوم "جنة الخلد" الفارق بينهما كبير، دخلت المكان وسألت عن الأستاذ "س" الذي جئت لمقابلته، فأخبروني أنه في اجتماع وسينتهي بعد فترة، كان على أن أحضر هذا الاجتماع ولكن من الصعب الدخول خاصة أنني لم أر هذا الرجل من قبل، كل ما كان بيننا هو الحديث عبر الهاتف فحسب، فضلت الانتظار حتى انتهاء الاجتماع.
قال لي مسئول الأمن في هذا المكان "اتفضل استنى في الاستراحة لحد ما الاجتماع يخلص"، كانت الاستراحة مكانًا أنيقًا تصعد له سلم قصير، درجاته قليله، ثم تدخل حجرة صغيرة بها "أنتريه" وتجلس حتى تنتهي مصلحتك، لحسن الحظ، كان معي شاب آخر في هذه الاستراحة، جاء للعمل في نفس الجريدة، تعارفنا ثم تحدث معي كثيرًا عن هذا المكان وعمن يعملون فيه وعن المدير العام للمكان وغير ذلك، لقد كانت معلوماته جيدًا، وكان خائفًا بعض الشئ، تحدثنًا كثيرًا، على أمل أن ينتهي الاجتماع أثناء حديثنا و لكن شيئًا لم يتغير، وتحولت الربع ساعة إلى نصف ثم إلى ساعة كاملة، دون أن يلوح أي شئ في الأفق، مللنا ونظر كل منا للآخر، لقد انتهت الكلمات التي تقال في مثل هذه المواقف، وأصبح الصمت لزامًا علينا.
كان الغريب في جلستنا هذه أن هناك أكثر من خمسة أشخاص مروا من أمامنا ثم نظروا إلينا نظرة واحدة كأنهم دُرِبوا عليها، ثم انصرف كل منهم إلى حاله دون أن يتحدث بكلمة واحدة أو يلقي السلام.
مع مرور الوقت زادت هذه الوجوه التي تمر من أمامنا دون أن تتحدث، في البداية كنت التفت لكل من يصعد لهذا المكان أو يعبر من "الممر" الموجود أمامه والذي يوصل لصالة الاجتماع، لكن مع الوقت لم أعد أنظر لأحد، لقد فقدت الأمل في أن يتحدث أحد منهم.
بعد فترة تفاجأت بسواد يقترب من باب الغرفة، نظرت فإذا بفتاة تنظر إلى ثم بدأت الحديث ..
هي: " سلام عليكم"
أنا: بكل برود "عليكم السلام"
هي : حضرتك معانا هنا ؟
أنا : المفروض إن شاء الله
هي : وعملت الإنترفيو ولا لسه
أنا : لا لسه والله يا فندم
هي : بكل ذوق وأدب" ربنا يوفقك إن شاء الله"
أنا متصنعًا الأدب " ربنا يكرمك"
هي : أنت مش فاكرني ؟
أنا : لا والله
هي : أنا " ص" كنت معاك في الجامعة
أنا : "الجامعة " ؟؟؟؟؟؟؟؟
هي " اه بس كنت في قسم تاني، مش انت محمد فتحي كنت في صحافة
أنا : أه .. أنا محمد
هي : وأنا "ص" أنا مكتبي تحت لو احتاجت حاجة أبقى قلي
أنا : طيب هو استاذ "س" هيتأخر ؟
هي : لا زمانه نازل
أنا : متشكر أوي فرصة سعيدة
هي : العفو

الآن .. بدأت أتذكر ما حدث صباحًا، هذا الصوت الغريب، وكلماته التي تحققت بالحرف " اليوم سترى فتاة كانت معك في الجامعة، تعرفك ولاتعرفها، ستراها في مكان لم تذهب إليه من قبل "...

تستكمل


Tuesday, May 6, 2008

هجاء

الأسبوع الأول من أبريل عاش أيامًا ظنها الأسوأ في حياته.. الأسبوع الأول من مايو يعيش أيامًا أسوأ من سابقتها.. الأسبوع الأول من يونيو يعلم أنه سيكون الأسوأ والأسوأ في حياته .. فالحوراء ستزف فيه إلى حبيبها .. هكذا أخبره الملك

أنهى عمله في وقت متأخر.. سار على كوبري "عباس" نظر إلى النيل.. ثم إلى السماء.. عاد بذاكرته إلى الوراء .. حين كان في الإسكندرية ..كان جالسًا فوق صخرة على الشاطئ ينظر إلى أمواج البحر و يفكر في نفسه العظيمة التي يراها أسمى نفس على وجه الأرض ..

قالت له نفسه يكفيك فخرًا أن اسمك على جدران الأقصى محفور بالدماء يراه كل من ذهب هناك .. وأن أقرانك يغبطونك على ما أنت فيه.. فلا أحد منهم مثلك خلقًا وعلمًا .. قالت له ألا ترى أمواج البحر قد سكنت بعد اضطراب.. هذا لقدومك .. علمت أن عليها أرق أهل الأرض وأكثرهم حياءً.. وأخذت تغرر به.. قالت : لا تحزن فلن تجد مثلك .. هي الخاسرة.. أنت رجل بحق .. يكفي قلبك "الطيب" وكرمك وسخائك .. لن تجد مثلك .. أنت رجل هذا الزمان.. وحلم كل فتاة عاقلة..

انخدع .. ظن نفسه عظيمًا .. قال "نعم".. لن تجد مثلى.. فأنا أنا وليس مثلي شيء.. أوهم نفسه أنها ستتألم لفراقه وأن إيثارها رجلاً آخر من نقصان عقلها الذي طالما كان يراه "عقل رجل" في أنثى وكان يقول أنه لم ير مثله في مثلها قط

كان يعلم أنها لم تذنب، وأنه كان فظًا غليظ القلب حين أخبرته بأن هناك رجلا آخر في حياتها، لكنها كانت محاولة للانتقام من أرق أنثى رأتها عيناه.

عاد بالذاكرة إلى الوراء مرة أخرى .. وعادت النفس تفعل فيه أفاعيلها.. قالت أتذكر ابتسامتها لفلان وفلان أيليق هذا بامرأة متدينة.. أنسيت يوم ضحكت ملء فيها بصوت أسمع سكان البادية .. أم نسيت كذبها وتصنعها القديم في أول لقاء جمع بينكما..

كانت تقول لا أسمع .... وهي تسمع ولا أقول.... وهي تقول ولا أرى.... وهى ترى

أيليق هذا بامرأة تريدها زوجة؟

حاولت إيهامه بأنها لم تكن لتصلح له في يوم من الأيام.. وأن رحيلها عنه خيرله .. تفننت في "تلفيق" التهم إلى "الحوراء" التي كان يراها من "أهل الجنة"

توقف عن السير.. أخذ ينظر للسماء تارة وللنيل تارة أخري.. ثم أخرج قلمًا وورقة وقرر أن يعيد الكرة مرة أخرى.. قرر أن يهجوها ثانية..

قال "سأقتلها بكلماتي" ولتذهب هي ودموعها إلى الجحيم.. لا أريدها ..

فكر فما يكتب .. تردد كثيرًا .. لا يعلم كيف يبدأ وأين ينتهي ؟.. أخيرًا استنارت عيناه ..

وضع سن القلم على الورقة وكتب ..

" يا هذه .. أقسم بالله .. أنت أحب إلى من نفسي "

ا.هـ

Saturday, April 26, 2008

أصبت

" هذا أيضًا كلام عام.. أرجو عدم تحميله فوق طاقته.. فهو ليس لأحد بعينه"

خُيل إليّ أني عدت صبيًا في المدرسة، وكانوا يُدرّسون لنا مادة اسمها "كيف تتعامل مع المرأة".. لقد فطنوا أخيرًا أن المرأة مخلوق معقد في حاجة لكتب تُدرّس للأطفال منذ نعومة أظفارهم ليجيدوا التعامل معها ..

وفي إحدى حصص هذه المادة، سألنى المُعلم " ما أقوى أسلحة المرأة؟؟" و كنا ندرُس أن أقوى سلاح لدي المرأة هو لسانها الذي لا يكف عن الثرثرة وإطلاق القذائف من وقت لآخر في وجه الرجل، ترددت قبل الإجابة، ثم قلت بصوت عال " أقوى أسلحة المرأة .. دموعها" ضحك زملائي، وقال المعلم "لا ..انظر في الكتاب"، قلت "أعرف ما به.. تقولون لسانها"، قال "نعم هو لسانها"، قلت "لا.. بل دموعها" .. قال "كيف يا فيلسوف" .. قلت.. هذا أمر فوق إدراك الكثيرين، فهو معني قبل كل شيء، فضحك ملء فيه وقال "قل ما عندك.. فمنك نستفيد" ..

قلت " كفرت بما تقولون عن الحب وأيقنت أنكم تتحدثون عن أوهام ..عن أشياء سمعتوا عنها ولم تشعروا بها، أو معان لا ترقى لأن يطلق عليها "حب" .. أما أنا فلا ..

" حبيبتي .. أحببتها قبل أن أراها.. سمعت عنها الكثير.. ولما رأيتها زاد تعلقي بها.. كنت أؤثرها على نفسي .. أضحك لضحكها .. أبكي لبكائها..أحببت ما تحب.. كرهت ما تكره..إذا كانت في مكان لم أر سواها .. فكل ما دونها دون.. وكل ما سواها لا قيمة له.. مجرد رتوش.."

" كانت إذا اشتهت شيئًا وجدته أمامها.. لم أكلفها شيئًا.. كنت لها أبنًا وأخًا.. وكانت أسعد لحظاتي حين قالت لي يا "بنيّ" ...أجهدت نفسي لترضى ولكنها رحلت..

" لا لا .. لم ترحل، فقط حيل بيننا، أراها كثيرًا ولكن بوجه غير الوجه، وجه يحذرني أن أتحدث ولو بكلمة، حاولت أن أفهم السبب في هذا التحول فقالت "كلماتك" ثم بكت

قال المُعلم ... هنا السر ؟

قلت: نعم.. فلبكائها بكيت.. وحمّلت نفسي خطئًا قامت به، فكنت الجاني والمجني عليه والظالم والمظلوم في آن واحد..

يا سيدي.. في المرأة طبيعة غريبة، تخالف بها كل "مخلوق" على وجه الأرض.. وهي أن قوتها في ضعفها، وكلما ضعفت كلما تمكنت وسيطرت..

فدموع المرآة أقوى من ألف ألف "رصاصة" تصيب قلب "المحب"، وهي لقربها من "الطفل" تجدها تستخدم نفس أسلحته فالبكاء أولاً وثانيًا وثالثًا، وكلمة "حاضر" مع انكسار وعين ناظرة إلى الأرض تُحدث في قلب الرجل"سليم الفطرة" ما يعجز عنه لسان المرأة ولو ظل يتحدث حتى يوم "البعث"

ولو أنك أمرت امرأة بأمر .. ثم تطاولت عليك وأطلقت للسانها العنان.. لكانت لطبيعة"الرجل" وغريزته فيك الحسم.. فمهما كانت فأنت أقوى.. ولسان "المرأة" غالبًا ما ينبه الرجل لمعان في تركيبته لا يشعر بها إلا حين يُهينه لسان "أنثى".. ولكن إن تنازل لسانها عن سيادته"الموهومة" لعينها لكانت لها الغلبة.. فلبكاء المرأة في الرجل مفعول السحر

سكت المعلم وقال :

" "أصبت "

Wednesday, April 2, 2008

عالم الأقنعة

" ده راجل محترم ومتدين " كنتُ في قمة السعادة حين سمعت هذه الكلمات، جميلُُُُُ ُأن يمدحك الناس وهذه عاجل بشرى المؤمن كما قال النبي عليه السلام، لكن أن نعيش لنُمدح فهذا أمر عجيب، سعادتي لم تكن لأنني فعلاً كما قالوا، فأنا أعلم بحالي منهم، سعدتُ لنجاحي في الوصول لتلك الصورة التي طالما رسمتها لنفسي أمـام الناس، "راجل محترم ومتدين".

إحساس جميل أن تحلم بشيء ثم تراه واقعًا أمامك، هذه ليست حصيلة يوم وليلة، هذا عناء سنين، ذُقت فيها الأمرين حتى أكون " راجل محترم ومتدين" في نظر الناس، كل التعب والنصب يزول حين يتحقق الحلم.

ليس نفاقًا أن أقول أنني عشت لأرسم صورة بعينها أمام الناس، وكانت جُل معاملاتي للوصول إليها، وليس تقليلاً من شأن نفسي فلا شأن لها أساسًا، لكن هذه الحقيقة، ولا أتعجب من ذلك، فكلنا كذلك.

" عالم الأقنعة " لافتة كبيرة أراها في جميع الأماكن، في العمل، في الشارع، في المواصلات، حتى المنزل، عالم يسع الجميع، ودائمًا ما يطلب الزيادة، تجلى أمامي هذا العالم بوضوح، حين كنتُ في الجامعة، يا لله، ما كل هذه الأقنعة، في أول أيام الجامعة، قررت أن أرتدي قناعًا خاصًا، كُتب عليه " راجل محترم ومتدين"، أظن أن ابتعادي عن النساء في الجامعة لم يكن لله ولكن لهذا السبب، كذلك مواظبتي على الصلاة وسائر تعاملاتي كانت للفوز بهذا اللقب، وصرت صاحب أفضل قناع بين الجميع.

ليس لدي أمل في أن نخلع الأقنعة في يوم من الأيام، ما أخشاه أن نُفتضح في الدنيا، وتنكشف الحقائق التي سترتها الكلمات عبر سنين، وقتها ستختفي الإشارات والتلميحات، وستلاحقنا اللعنات ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

Monday, February 25, 2008

1-4

ركبت المترو وأنا عائد من العمل، في محطة الدقي، جلست إلى جواري امرأة في ال30 من عمرها تقريبًا، سار القطار مسرعًا نحو اتجاه السادات، وفجأة توقف، فاحتك جسدي بجسدها رغمًا عني، أسرعت بالاعتذار كي لا تسيء الظن بى، توقعت أن تغضب أو أي شيء من هذا القبيل، لكنها فاجأتني بابتسامة لم أفهم معناها .
واصل القطار السير، وواصلت التفكير فيما كان يشغلني، وإذا بالمرأة تقترب مني أكثر ليلاصق جسدها جسدي، نظرت إليها، الآن فهمت ابتسامتها، فكرت في الأمر، فرصة سانحة لتفعل ما تشاء، دقائق معدودة ثم تستغفر وتتوب ولست أول من يفعل ذلك، فهناك من يركب المواصلات لهذا الغرض تحديدًا، تخل عن مثاليتك، فالفرصة لن تتكرر.
شعرت بعدم التكافؤ، أربعة أمام واحد، فجور نفسي وشيطاني وجسدي والمرأة، أمام ما أودعه الله في النفس البشرية من تقوي وخير، لم أستغرق في التفكير، فقد حان الوقت لتغيير اتجاه السير في القطار، نزلت من العربة، ودارت الحرب في داخلي.
تركتهم يتصارعون وانتظرت أترقب من يفز في النهاية، أضعت فرصة ثمينة لن تتكرر، الحمد لله الذي عافانا، ستندم كثيرًا ولن تجد هذه الفرصة مرة أخري، حقًا، نعم ، لن تجدها، المرأة إذا طلبت الرجل بهذه الدرجة فبإمكانك أن تفعل ما تشاء، حقًا، أعوذ بالله، أعوذ بالله ، أخاف العقوبة، أي عقوبة هذه، هي ثوان معدودة ليس أكثر، ثم أنت لن تزن، لقد كنت أريدها، أضعت مني الفرصة، أعوذ بالله.
عدت إلى المنزل، فكرت في هذا البلاء، فتنتنا بهن، وفتنتهن بنا، فتنة قديمة حديثة، لم يخل عصر من العصور منها، ولكن ما وصلنا إليه من الانحطاط والحيوانية أمر عجيب، كأننا بهائم- مع الاعتذار لهم- لا هم لها إلا الطعام والشراب والشهوة، انتفت جميع الحوائل لارتكاب الفواحش من قلوبنا، وصار العفاف والطهر مجرد ذكريات نتغنى بها ...
ا . هـ

Tuesday, February 19, 2008

جميلة

مع اقتراب الذكري الثالثة لرحيل أعظم امرأة عرفتها في حياتي، تتردد في ذهني " وقيل من راق "، الجملة الوحيدة التي كنت أرددها طيلة 12 ساعة ظلت فيها " جميلة " فاقدة الوعي في غيبوبة الموت، كلمات الدعاء الصادقة التي خرجت من قلوب محترقة لفراق امرأة قلما يجود الزمان بمثلها، آي القرآن التي كان يرددها الجميع أصوات أنفاسها العالية، وشهادة التوحيد التي ما فارقت لساني وكنت ألقنها إياها، علها تكون آخر عهدها بالدنيا.
عدت من الجامعة، دخلت غرفتها، الحال كما هو عليه، تلفظ جميلة آخر أنفاسها في الحياة بل آخر أنفاس الحياة فيها، وفجأة يتوقف كل شيء، تفتح فمها الطاهر وتردد كلمات الشهادة بلغة يفهمها الجميع، لحظات ساد الصمت فيها الجميع،أغمضت عينيها، فارقت روحها الحياة، تركت الدنيا أو تركتها الدنيا لأنها تعلم أن هذه الأرواح الطاهرة موطنها الجنة لا الدنيا..

بعد ثلاثة أعوام، لا أملك إلا البكاء والدعاء عسي ألقاها ثانية ، وداعًا جميلة، وداعًا جدتي
...