Thursday, May 21, 2009

أبطال الخيال

حالة من الإفلاس الفكري عشتها في الفترة الماضية، أحسست أن جعبتي خاوية، لا فكر ولا لفظ ولا دلالة، بين الحين والآخر، كانت دوافع تستثيرني للكتابة...فتاة تُقبّل وتحتضن رئيس تحرير يكبرها بأعوام في عيد ميلاده لتتقرب إليه، أخرى تمسح فضلات شاب يخادعها.
آخر، يسبُ دين الله لأن الكرة لم تدخل المرمى، وآخر تُشغله حبيبته عن كل شئ، وجميلة تدّعي المرض لتُسقط شابًا لا يريدها، كل هذا لم يحرك "آلة الكتابة" بداخلي، لم يستفزني غبي تجاوز الخمسين من عمره ولم يفقه من الحياة إلا "س" و "ج" و"ص" و "ع"، ولم تدفعني مؤامرات ومهاترات وتربص بي لأن أكتب كلمة واحدة.
ما أثار قلمي، وحرك "آلة" الكتابة بداخلي، هو الاتجاه الذي تسير فيه حياتنا، كنت أؤمن أننا نوجه الأحداث، نصنعها، نُعدّلها، نُغيّرها، ونمحوها في إطار قدرتنا البشرية، ولكنَّ لحظات التأمل، تجعلني أقسم أن أكثر تفاصيل حياتنا، ليست من صنعنا.. أنا لا أتحدث عن علاقة بين خالق ومخلوق، لا أتحدث عن قدرة على الإيجاد من عدم، ولكن عن علاقة بين فعل وفاعل، علاقة يعجز الفاعل فيها عن القيام باي شئ، هو فقط ينتظر حتى يأذن له المفعول، ويأذن الله في الانفعال، فيتم الفعل، رغم أنفه!
في حياتنا، نفعل أشياءً لا نريدها ، ونؤمن بأشياء ولا نقوى على الجهر بها، نكفر بأشياء وندعو لها، ومحصلة ذلك .. اغتراب وتشتت، المحصلة أن تُنكر نفسك، تُنكر ما تؤمن به.
في حياتنا، تفاصيل كثيرة، وتجارب مُختلفة، أشعر أننا نعشق التعقيد ونكره البساطة، نحب أن نصل للهدف من أبعد الطرق، نُركز في تفاصيل لا يهتم بها أحد، ونجد متعتنا في تعذيب الآخرين.
نُحب أن ننسُجَ من الخيال قصصًا نكون فيها أبطالاً غير تقليديين، مثاليين لأقصى حد في "الصور" و"الرسوم"، عُلماء في "الخيال"، "سقط" على أرض الواقع، علونا في الوهم، يقابله سفول في الحقيقة، سعادتنا بين الجموع، يُقابلها شقاء لا يفارقنا في الخلوات.
حياتنا تبحث عن معنى، ونحن نبحث عن حياة للمعنى، كل منا يسير في طريق، وبين ما نؤمن به، وما ندعو إليه، بين حقيقتها وباطلنا، بين واقعها وخيالنا، فجوة تتسع بإصرارنا على الإيمان بشئ وعمل نقيضه.
لا أعرف دواءً، ولا أجد حلولاً أقوى عليها، ما يُقلقني أن يأتي الغد، دون أن نمزق الصور والرسوم، يأتي ونحن نبحث عن تفاصيل جديدة لأبطال عاشوا وماتوا في الخيال.

2 comments:

أحلى حياة said...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

"ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ" ياأخ محمد
أتفق معك في أننا قد لا نكون من يصنع الحدث
كثيرًا ما نجد أنفسنا بداخله دون أن نعي من أين أتى أو كيف حدث
وكأن يد خفية تحركنا
أغلب ظني أنها إرادة الله وتدابيره التي لا يعلم الحكمة من ورائها إلا هو سبحانه وتعالى
أي لا نكون أكثر من فاعل ومفعول في نفس الوقت كما ذكرت
...

"ونجد متعتنا في تعذيب الآخرين"
استشعرت هذه السادية عند معرفتي بالبعض، والهادي هو الله..
ربنا يهدي

mo7amaad said...

متشكر على تعليقك